فصل: قال القنوجي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَنسخ الْكَشَّاف مُطَابقَة عَلَى ملْء أحد وَكَأن التَّصْحِيف من المُصَنّف.
وَرَوَاهُ مُسلم من حديث أبي هُرَيْرَة قال شَيخنَا الْمزي فِي أَطْرَافه وَهُوَ وهم وَقع مِنْهُ فِي حَال الْكِتَابَة بِدَلِيل أَنه ذكر أَولا حديث أبي مُعَاوِيَة ثمَّ ثنى بِحديث جرير وَذكر الْمَتْن وَبَقِيَّة الْإِسْنَاد عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ثمَّ ثلث بِحديث وَكِيع ثمَّ ربع بِحديث شُعْبَة وَلم يذكر الْمَتْن وَلَا بَقِيَّة السَّنَد عَنْهُمَا بل قال عَن الْأَعْمَش بِإِسْنَاد جرير وَأبي مُعَاوِيَة بِمثل حديثهمَا إِلَى آخر كَلَامه فلولا أَن إِسْنَاد جرير وَأبي مُعَاوِيَة وَاحِد لما جَمعهمَا جَمِيعًا فِي الْحِوَالَة عَلَيْهِمَا قال وَالوهم تَارَة يكون فِي الْحِفْظ وَتارَة فِي القول وَتارَة يكون فِي الْكِتَابَة وَالوهم هُنَا وَقع فِي الْكِتَابَة وَقد وَقع فِي بعض نسخ ابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ وهم أَيْضا. انْتَهَى.
1297- قوله عَن ابْن مَسْعُود قال مَا كَانَ بَين إسْلَامنَا وَبَين أَن عُوتِبْنَا بِهَذِهِ الْآيَة إِلَّا أَربع سِنِين يَعْنِي قوله تعالى: {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} الْآيَة.
قلت أخرجه مُسلم فِي التَّفْسِير عَنهُ قال مَا كَانَ بَين إسْلَامنَا وَبَين أَن عَاتَبَنَا الله بِهَذِهِ الْآيَة {ألم يَأن للَّذين} آمنُوا إِلَّا أَربع سِنِين. انْتَهَى.
وَوهم الْحَاكِم فَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرك وَقال صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. انْتَهَى.
1298- الحديث الثَّانِي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَنه قال «إِن الله تعالى أنزل أَربع بَرَكَات من السَّمَاء إِلَى الأَرْض أنزل الْحَدِيد وَالْمَاء وَالنَّار وَالْملح».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره أخبرنَا أَبُو سُفْيَان الْحُسَيْن بن عبد الله الدهْقَان ثَنَا الْحسن بن إِسْمَاعِيل بن خلف الْخياط ثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن الْفرج الْعدْل ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد بن عبد الْملك بن مَالك التَّمِيمِي عَن عبد الله بن خَليفَة عَن ابْن عمر قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: «إِن الله تعالى أنزل» إِلَى آخِره. وَهُوَ فِي الفردوس كَذَلِك من حديث ابْن عمر.
1299- الحديث الثَّالِث رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بعث جعفرا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي سبعين رَاكِبًا إِلَى النَّجَاشِيّ يَدعُوهُ فَقدم عَلَيْهِ فَدَعَاهُ فَاسْتَجَاب لَهُ فَقال نَاس مِمَّن آمن من أهل مَمْلَكَته وهم أَرْبَعُونَ رجلا ائْذَنْ لنا فِي الْوِفَادَة عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَأذن لَهُم فقدموا مَعَ جَعْفَر وَقد تهَيَّأ لِوَقْعَة أحد فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِالْمُسْلِمين من خصَاصَة اسْتَأْذنُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَرَجَعُوا وَقدمُوا بِأَمْوَالِهِمْ فآسوا بهَا الْمُسلمين فَأنزل الله: {الَّذين آتَيْنَاهُم} إِلَى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} فَلَمَّا سمع من لم يُؤمن من أهل الْكتاب قوله: {يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ} فَخَروا عَلَى الْمُسلمين وَقالوا من آمن بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابنَا فَلهُ اجْرِ مرّة وَمن لم يُؤمن بِكِتَابِكُمْ فَلهُ أجر كأجركم فَمَا فَضلكُمْ علينا فَنزلت.
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره ثَنَا ابْن حميد ثَنَا مهْرَان ثَنَا يَعْقُوب عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد بن جُبَير قال بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ جَعْفَر فِي سبعين رَاكِبًا إِلَى النَّجَاشِيّ يَدعُوهُ فَقدم عَلَيْهِ فَدَعَاهُ فَاسْتَجَاب لَهُ وآمن بِهِ فَلَمَّا كَانَ عِنْد انْصِرَافه قال نَاس مِمَّن آمن بِهِ من أهل مَمْلَكَته وهم أَرْبَعُونَ رجلا ائْذَنْ لنا فِي الْوِفَادَة عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فقدموا مَعَ جَعْفَر عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَقد تهَيَّأ لِوَقْعِهِ أحد فَلَمَّا رَأَوْا بِالْمُسْلِمين من الْخَصَاصَة وَشدَّة الْحَال اسْتَأْذنُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقالوا يَا نَبِي الله إِن لنا أَمْوَالًا وَنحن نرَى مَا بِالْمُسْلِمين من الْخَصَاصَة فَإِن أَذِنت لنا انصرفنا فَجِئْنَا بِأَمْوَالِنَا فواسينا الْمُسلمين بهَا فَأذن لَهُم فانصرفوا فَأتوا بِأَمْوَالِهِمْ فَوَاسَوْا بهَا الْمُسلمين فَأنْزل الله فيهم الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ مُؤمنُونَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ وَكَانَت النَّفَقَة الَّتِي وَاسَوْا بهَا الْمُسلمين فَلَمَّا سمع أهل الْكتاب مِمَّن لم يُؤمن بقوله: {يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} فَخَروا عَلَى الْمُسلمين فَقالوا يَا معشر الْمُسلمين أما من آمن منا بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابنَا فَلهُ أجره مرَّتَيْنِ وَمن لم يُؤمن بِكِتَابِكُمْ فَلهُ أجر كَأُجُورِكُمْ فَمَا فَضلكُمْ علينا فَأنزل الله: {يأيها الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} فَجعل لَهُم أَجْرَيْنِ وَزَادَهُمْ النُّور وَالْمَغْفِرَة وهَذَا مُرْسل.
وَذكر الثَّعْلَبِيّ عَن سعيد بن جُبَير بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من غير سَنَد.
1300- الحديث الرَّابِع عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: «من قرأ سُورَة الْحَدِيد كتب من الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ من حديث سَلام بن سليم الْمَدَائِنِي بِسَنَدِهِ الْمَعْرُوف.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه الْمُتَقَدِّمين فِي آل عمرَان.
وَرَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم فِي يُونُس. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة الحديد:
قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ}، الآية/ 10.
عنى به فتح الحديبية، ودل به على أن فضيلة العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين، أو لكثرة المحنة به لقلة المسلمين وكثرة الكفار، وهو مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ}. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الحديد تسع وعشرون آية، كلها مدنية. قال القرطبي: في قول الجميع.

.الآية الأولى:

{ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27)}.
{وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً}: الذين اتبعوه هم. الحواريون، جعل اللّه في قلوبهم مودة لبعضهم البعض.
{وَرَحْمَةً}: يتراحمون بها بخلاف اليهود فإنهم ليسوا كذلك.
أصل الرأفة: اللين.
والرحمة: الشفقة.
وقيل: الرأفة: أشد الرحمة.
{وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها}: أي ابتدعوا رهبانية. ورجحه أبو علي الفارسي على العطف على ما قبلها.
والرهبانية: بفتح الراء وضمها، وهي بالفتح الخوف من الرهب، وبالضم منسوبة إلى الرهبان وذلك لأنهم غلوا في العبادة وحملوا على أنفسهم المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والمنكح، وتعلقوا بالكهوف والصوامع، لأن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي منهم نفر قليل فترهبوا وتبتلوا. ذكر معناه قتادة والضحاك وغيرهما.
{ما كَتَبْناها}: أي ما فرضناها.
{عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ}: استثناء منقطع، أي ما كتبناها عليهم رأسا ولكن ابتدعوها ابتغاء.
{رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها} أي هذه الرهبانية التي ابتدعوها من جهة أنفسهم.
{حَقَّ رِعايَتِها}، بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى ودخلوا في دين الملوك الذين غيروا وبدلوا وتركوا الترهب ولم يبق على دين عيسى إلا قليل منهم وهم المرادون بقوله: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} الذي يستحقونه بالإيمان، وذلك لأنهم آمنوا بعيسى وثبتوا على دينه حتى آمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما بعثه اللّه.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27)}: خارجون عن الإيمان بما أمروا أن يؤمنوا به. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الحديد:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
{هِيَ مَوْلاكُمْ (15)} أولى بكم قال لبيد:
مولى المخافة خلفها وأمامها

[902].
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} [16] يقع خبره على لفظ الجميع وعلى الواحد..
{ثُمَّ يَهِيجُ} (20) ييبس..
{مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها} (22) نخلقها، الخالق البارئ..
{ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ} (27) أتبعناه..
{ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ} (27) ما كلّفنا هموها..
{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} (28) أي مثلين..
{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ} (29) مجازها ليعلم أهل الكتاب. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الحديد:

.[سورة الحديد: آية 3].

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)}.
قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [3].
وهذه استعارة عليه سبحانه، كإطلاقنا لذلك على غيره، لأنه سبحانه لا يأتى بالكلام المستعار والمجاز عليه- كما قلنا في أول هذا الكتاب- ولكن لأن ذلك اللفظ أبعد في البلاغة منزعا، وأبهر في الفصاحة مطلعا.
والواحد منّا- في الأكثر- إنما يستعير أغلاق الكلام، ويعدل عن الحقائق إلى المجازات، لأن طرق القول ربما ضاق بعضها عليه فخالف إلى.... بقية الكلام، وربما استعصى بعضها على فكره فعدل إلى المطاوعة.
معنى قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ} أي الذي لم يزل قبل الأشياء كلها، لا عن انتهاء مدة، {وَالْآخِرُ} أي الذي لا يزال بعد الأشياء كلّها، لا إلى انتهاء غاية.
{وَالظَّاهِرُ} المتجلى للعقول بأدلّته، {وَالْباطِنُ} أي الذي لا تدركه أبصار بريّته.
وقال بعضهم: قد يجوز أن يكون معنى الظاهر هاهنا أي العالم بالأشياء كلها. من قولهم: ظهرت على أمر فلان أي علمته. ويكون الظاهر مخصوصا بما كان في الوجود والجهر، ويكون الباطن مخصوصا بما كان في العدم والسر.
وتلخيص معنى {الظاهر} و{الباطن} أنه العالم بما ظهر وما بطن، وما استسرّ وما علن.

.[سورة الحديد: آية 10].

{وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}.
وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [10] وهذه استعارة على ما تقدم في كلامنا من نظير ذلك. والمعنى أن الخلائق إذا فنوا وانقرضوا خلّوا ما كانوا يسكنونه، وزالت أيديهم عما كانوا يملكونه..... إلا اللّه سبحانه، وصار تعالى كأنه قد ورث عنهم ما تركوه.... خلفوه. لأنه الباقي بعد فنائهم، والدائم بعد انقضائهم.

.[سورة الحديد: آية 12].

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}.
وقوله سبحانه: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ} [12] وهذه استعارة على أحد التأويلين....

.[سورة الحديد: آية 15].

{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}.
وقوله سبحانه: {مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [15] وهذه استعارة. ومعنى مولاكم: أي أملك بكم، وأولى بأخذكم. وهذا بمعنى المولى من طريق الرق، لا المولى من جهة العتق. فكأنّ النار- نعوذ باللّه منها- تملكهم رقا، ولا تحررهم عتقا.

.[سورة الحديد: آية 29].

{لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}.
وقوله سبحانه: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} وهذه استعارة.
ومعنى بيد اللّه، أي في ملك اللّه وقدرته، يبسطه إذا شاء على حسب المصالح والمفاسد، والمغاوى والمراشد. وقد مضى الكلام على نظائرها. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الحديد:
سورة الحديد مدنية كلها فيما نرى، والحديث فيها يتجه إلى الدولة والجمهور معا! فإن للمجتمع الإسلامي خاصة يعرف بها، أنه رباني النشاط والوجهة، فمن قبل طلوع الفجر إلى ما بعد غياب الشفق، يهرع المسلمون إلى المساجد حاكمهم ومحكومهم، وتسمع صيحات الأذان في كل حي تدعو المسلمين إلى الصلاة، وتنبه إلى حق الله في التكبير والتمجيد، وتنزهه عما لا يليق به! إن الدولة الإسلامية وإن رفعت شعار لا إكراه في الدين إلا أنها حريصة على طاعة الله وإنفاذ حكمه والظهور في الميدان العالمي بأن ولاءها لله الواحد القائم بالقسط الرحيم بالخلق! فلا عجب إذا افتتحت سورة الحديد بهذا الشعار {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير} إن العصر الذي نعيش فيه يوسم بأنه عصر العلم. ولا عجب، فقد استطاع الإنسان غزو الفضاء ووضع قدمه على القمر، وهو الآن يدرس كواكب أخرى من أسرة الشمس يحاول الوصول إليها. وقد جزم بأن الشمس وأفراد أسرتها حبات رمال في فضاء زاخر بالنجوم والشموس. إن العالم ضخم كبير الحجم ذاهب في الطول والعرض مضبوط بنظام محكم يسيطر على الزفير والشهيق في أجسامنا، وعلى المد والجزر في البحار والمحيطات، وعلى الكسوف والخسوف بين الكواكب، وعلى مساحات تنحسر دونها الأبصار والآلات في ملكوت فخم مهيب يهيمن عليه رب كل شيء ومليكه «سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته». ألا يسأل المرء نفسه: هل الدجاجة خلقت البيضة التي تضعها؟ هل البقرة صنعت اللبن الذي يخرج منها؟ هل الأم أنشأت الولد الذي يتخلق في أحشائها؟ هل الفلاح هو الذي سوى الحبوب والفواكه التي يزرعها؟ إن هذه كلها أسباب شفافة عن القدرة العليا والحكمة العليا اللتين تبدعان كل شيء {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير}.